يستعرض هذا المقال المهم للاستاذ علي الكاش، في مقارنة دقيقة للغاية، كلا من الدورين السعودي والإيراني في العراق، بعد احتلاله عام 2003، ويخلص الى نتيجة باهرة،
مفادها، ان الدور الايراني في العراق يفوق بأضعاف مضاعفة، كل مايقال عن دور سعودي مفترض، سلبي أو ايجابي، في العراق.
وبالطبع لانهدف في نشرنا للمقال، كما لايهدف كاتبه، الى تبييض صفحة طرف ما، ولا تشويه صفحة طرف اخر، وانما نسعى الى عرض الحقائق كما هي على أرض الواقع العراقي.
وجهات نظر
...
كيف تدحرج العراق من يد العرب وتلقفته إيران؟
علي الكاش
العلاقات العراقية العربية لم تأخذ مسارها الطبيعي منذ الغزو الأمريكي الصهيوني الإيراني للعراق وحتى الوقت الحاضر. والإنفتاح الجزئي في تلك العلاقات كان مرجعه التأثير الامريكي المباشر والضغط المكثف على بعض الأنظمة العربية التي تدور في الفلك الأمريكي للإعتراف بصنيعة الإحتلال (حكومة العراق) بإعتبار إن هذا الإعتراف هو الركن الأساس لإقامة العلاقات الدولية. وقد إتسمت تلك العلاقات- المفروضة قسرا أو تملقا للأمريكان- بطابع الفتور والتتذبذب وفقاً لتصاعد أو هبوط درجات محرار الذل العربي.
ورغم قوة القطب الامريكي في تسيير سياسة العراق الخارجية لكن هذا القطب بدأ يفقد قوة جاذبيته لصالح القطب الايراني! ربما هناك تفاهم مسبق بين شياطين قم وشياطين البيت الابيض حول هذا الأمر، وربما يكون بندا في اتفاق سري بين الطرفين يعززه تصرح المسئولين الإيرانيين بأنه لولا تعاونهم مع الأمريكان لما سقطت كابول وبغداد بيد الغزاة. وقد قطف النظام الإيراني ثمرة تعاونه مع قوى الإستكبار العالمي.
لذا يمكن الجزم بأن النظام الإيراني حاليا صاحب اليد الطولى في تحديد مسار العلاقات العراقية –العربية. فعلاقات العراق مع الدول العربية تقوى أو تفتر وفقا لمؤشر علاقات إيران مع تلك الدول. كما نلاحظ حاليا في علاقات العراق مع السعودية والبحرين واليمن وقبلها مع مصر ولبنان.
مع بداية عام 2006 بدأ المد الإيراني يتسع بقوة أمام الجزر الأمريكي في التأثير على سياسية العراق الخارجية. ففي الوقت الذي حاول فيه الأمريكان توسيع شبكة علاقات العراق مع محيطه العربي، يقوم الإيرانيون بسحب البساط من تحت أقدامهم ليزرعوا الألغام والأسلاك الشائكة تحتها سواء عن طريق توجية أوامر صارمة ومباشرة لرئيس الوزراء. أو من خلال عملائهم النواب في البرلمان ومجلس الوزراء ولاسيما أصحاب الدرجات الرفيعة في سلم العمالة والطائفية كباقر صولاغي واحمد الجلبي وإبراهيم الجعفري. وقد إعترف الأمريكان بهذه الحقيقة فقد نشرت صحيفة الواشنطون بوست مؤخرا تقريرا خطيرا جاء فيه بأن "العراق سيتحول إلى عاصمة إيرانية بعد رحيل القوات المحتلة الأمريكية من العراق نهاية العام الحالي. وإن إيران ستقوم بتحويل جارتها العراق إلى دولة تابعة لها بعد مغادرة القوات الأمريكية نهاية العام الحالي" وجميعا ندرك هذه الحقيقة.
ربما يحاول البعض تبرير إنحراف بوصلة علاقات العراق مع محيطه العربي بإطروحات فارسية سبق أن روجها - بعض النواب والوزراء ذوو الولاء المطلق للنظام الإيراني- مع بداية الغزو وأشاعوها بين الجهلة والسذج فأخذوا يرددونها كالببغاء دون أن يفقهوا مغزاها وغرضها وتداعياتها المستقبلية منها: أين كان العرب مما يجري في العراق؟ وما دورهم عندما كان النظام السابق ينكل بالشيعة؟ وهذه الإطروحة حملت شعار (المظلومية)، وسبق أن ناقشها وفندها الكثير من الكتاب وليس هناك حاجة للتكرار. لكن يمكن إن نسأل مروجي هذه السفسطة: أين كنتم أنتم حينها وما قدمتم للشعب العراقي؟ ومن هم أصحاب (المظلومية) الحقيقية منذ الغزو لحد الآن؟ ولماذا لم يجاهروا بمظلوميتهم رغم كل الأهوال التي مرًوا بها؟
الإطروحة الاخرى: اليس العرب هم من تعاون مع الأمريكان لغزو العراق؟ ألم تفتح مصر مجالها البحري أمام أساطيل الغزاة؟ ألم تفتح الكويت والسعودية مجالهما البري أمام الغزاة؟ ألم تفتح دول الخليج العربي مجالها الجوي أمام طائراتهم المفترسة لتلتهم بشراهة أجساد العراقيين؟
طبعا هذه حقائق لا يمكن أن ينكرها أحد، وتساؤلات مشروعة من حق الشعب العراقي الذي دفع ثمنها من دماء أبنائه أن يتحسس منها. لكن هذا الأمر لا يبرر مطلقا الخروج من الحضن العربي والإرتماء في أحضان الخامنئي؟ وليس من الإنصاف أن نحمل الشعوب العربية المغلوبة على أمرها مسؤلية جرائم وهفوات حكامهم؟ فنحن أدرى من غيرنا بشعاب مكة.
من جهة أخرى ليس من العدالة أيضا أن نهمل تصريحات أقطاب النظام الإيراني بأنه لولا تعاونهم مع قوى الإستكبار العالمي لما تمكنت الولايات المتحدة من إسقاط نظامي بغداد وكابول! بمعنى ان الأنظمة العربية والنظام الفارسي إشتركا معا في تلك الجريمة البشعة! ولا فرق بين عربي وأعجمي في تدمير العراق وإبادة شعبه.
لسنا في هذا المقال بصدد الدفاع عن النظام العربي عموما، والسعودي بشكل خاص كونه موضع إتهام مستمر من قبل حكومة العراق. فالأنظمة العربية بشكل عام تعاني من مسألة الإنفصام مع شعوبها فكل منهما في وادي وتفصل بينهما جبال شاهقة. ومقارنة بسيطة بين موقف إيران من شيعة العراق، وموقف العرب من سنة العراق تكشف عن البون الشاسع بين الطرفين.
السعودية مثلا فتحت أبوابها أمام شيعة العراق بعد أحداث ما يسمى بصفحة الغدر والخيانة- أو شغب الغوغاء حسب تسمية المرجع الأعلى الخوئي- لكن السعودية أقفلت أبوابها ومازالت بوجه سنة العراق وجعلتهم لقمة سهلة البلع في فم المرشد الأعلى الخامنئي ليمضغها بهدوء دون أن تحرك ساكنا. السعودية لم تتبنى مبدأ إضطهاد (مظلومية) السنة ولا سيما بعد الحرب الأهلية التي أشعل فتيلها رئيس الوزراء السابق إبراهيم الأشيقر عام 2006 وراح ضحيتها عشرات الألوف من العراقيين ودمرت ونهبت بيوت الله. في حين ما تزال إيران تروج مظلومية الشيعة في دول العالم!
السعودية لم تلزم نفسها بدعم (مظلومية) السنة في إيران الذين يسومهم نظام الملالي الأمرين أو أشقائنا الميامين عرب الأحواز الذين تمارس ضدهم جريمة الإبادة البشرية ومسخ بشع لعروبتهم. مثلما ألزمت إيران نفسها بترويج مظلومية الشيعة في اليمن البحرين والسعودية نفسها و بقية الدول العربية وتصرف سنويا المليارات من الدولارات لنصرة المذهب.
هناك العشرات من المؤشرات السلبية للنظام السعودي تجاه العراق بشكل عام والسنة بشكل خاص. سبق أن تحدثنا عنها في مقالات سابقة.
ولكن للإنصاف لا بد من الإشارة إلى الوجه الآخر للسعودية ومقارنتها بإيران، فقد بالغت حكومات العراق المتتالية بعد الغزو بإتهام السعودية بما لا يمكن الوثوق به مطلقا سيما إن الحكومة العراقية حكومة طائفية وتشاطر إيران في مواقفها السياسية. فليس من العدل الكيل بمكيالين، بمعنى التستر على جرائم النظام الإيراني في العراق من جهة. ولصق جرائم مزعومة لا دليل على صحتها بالنظام السعودي. الميزان الطائفي لا يمكن ان تتعادل كفتيه! ومن المؤسف إن الميزان نفسه (ساخت إيران). فالقاعدة الصحيحة أن يقف العراق مع أشقائه العرب، لا أن يقف ضدهم منفذا لأجندة بلد أجنبي يكن له العداء التأريخي والحقد المزمن.
بين آونة وأخرى نسمع طنين ذباب إيران يدوي في مجلس النواب العراقي ورئاسة الوزراء. وكان أشده ازعاجا خلال تظاهرات الغوغاء الأخيرة في البحرين والتي يقف النظام الإيراني خلفها. حيث تجاوز الطنين كل معايير الشرف والغيرة والمروءة.
فالسعودية برأي الحكومة العراقية ومجلس النواب مصدر الإرهاب ليس في العراق فحسب بل المنطقة! كما عبر النائب باقري صولاغي. أما إيران فهي مصدر الأمن والإستقرار والتآخي في المنطقة! هذا هو منطق العملاء وهذه فلسفة السفهاء في العراق المحتل.
لذلك سنقارن بين الموقفين السعودي والايراني إتجاه العراق بمكيال واحد عسى أن نزيل الغشاوة عن عيون البعض.
السعودية مثلا لم تدع عائدية بلدان الخليج العربي لها, ولم تصدر ثورتها او مذهبها الرئيسي للخارج وليس لها اطماع توسعية معلنة في المنطقة. وهي لم تتنصل من إتفاقياتها مع العراق وتقضم من أرضه ومياهه.
والسعودية لم تبح رحمها النظيف للولي الفقيه وأعوانه الأشرار لتنجب العشرات من الاحزاب اللقيطة.
السعودية لم ترفع شعارات مزيفة تخدع بها الحمقى والجهلة من العرب مثل "تحرير القدس يتم عبر تحرير كربلاء"! وقد حرر الامريكان للنظام الايراني كربلاء بالنيابة عنهم دون جهد. وللإيرانيين حاليا السلطة الحقيقية في النجف وكربلاء.فما بال جحافلهم وحرس الثورة توقفت عند حدود كربلاء ولم تنطلق إلى تحرير القدس كما زعمت؟ ولماذا قامت الميليشيات التابعة لإيران كجيش المهدي بتصفية المئات من الفلسطينيين في بغداد؟ إن من يرفع شعار تحرير شعب دون أن يطلب احد منه تلك الخدمة حري به أن يرعاهم ويدعمهم أو يتركهم لحالهم وذلك أضعف الإيمان، لا أن يقتلهم ويعتقلهم ويشردهم إلى بلدان أخرى.
السعودية لم ترسل للعراق أكثر من (30) ميليشيا تخصص إرهاب طائفي لتعبث بأمنه وإستقراره وتقتل أبنائه بلا واعز ضمير. كجيش المهدي وفيلق بدر وجيش فاطمة وعصائب الحق وكتائب ثأرالحسين وميليشات حزب الله وثأر الله وبقيت الله والقصاص العادل وتجمع الشبيبة الإسلامية, وحركة سيد الشهداء, وميليشيات (15 رمضان) ومنظمة الطليعة الإسلامية، وأشبال الصدر، وكتائب الدماء الزكية والكوثر. وجيش المختار وجيش العمل الإسلامي، وميليشيا حركة جند الإمام( أبو زيد) وميليشيا أنصار ومنظمة أنصار الإسلام (للمزيد مراجعة دراستنا حول الدور التخريبي الإيراني في العراق الجزء الخامس).
منذ الغزو ولحد لآن لم تكتشف شبكة تجسس سعودية في العراق في حين كل وزارات ومؤسسات العراق ولاسيما الأجهزة الأمنية والسفارات مخترقة أو ترتبط بشبكات تجسس ايرانية. حتى المؤسسات الخيرية والإنسانية والثقافية الإيرانية هي أغطية لنشاطات تجسسية مكشوفة للجميع. ناهيك عن شبكات التجسس الإيرانية في مصر والكويت واليمن وغيرها.
السعودية لم ترسل مواد غذائية فاسدة للعراق لتفتك بشعبه بلا رحمة وهذه الجريمة البشعة هي وفق كل المقاييس السماوية والوضعية تعتبر إبادة جماعية. والسعودية لم تهدد سيادة العراق وتستولي على آباره النفطية بإسم الآبار المشتركة حسب تصنيف باقر صولاغي وموفق الربيعي والشهرستاني. كما إن السعودية لم تقصف القرى الكردية في شمال العراق بين آونة وأخرى وتجبر سكانها الفقراء على النزوح لمناطق أخرى، في ظل خرس حكومتي بغداد وكردستان تجاه هذه الجرائم المتكررة. والسعودية لم تغرق أراضي الجنوب بمياه بزلها لتدمر الزراعة العراقية بكل صلافة وعنجهية، دون أن تجرأ حكومة المالكي أن تبدي ولو مجرد امتعاض وذلك أضعف الإيمان.
السعودية لم تطارد كبار القادة العسكريين والبعثيين والطيارين لتقتلهم وتكتب على جثثهم "هذا مصير كل من قصف جزيرة خرج".
والسعودية لم تصدر فتاوى منكرة تبيح قتل العراقيين من البعثيين وغيرهم أو فتاوى حقيرة تطالب بتفريق الزوج السني عن الزوجة الشيعية أو العكس. أو تشيع زواج المتعة لينتشر الأيدز كإنتشار النار في الهشيم، فلم تكن في العراق قبل الغزو الغاشم سوى حالات نادرة من الإصابة لا تتعدى أصابع اليدين.
السعودية لم تفتح العشرات من المعارض الفنية والثقافية في العراق وتغرقه أسواقه بالكتب والأدعية الطائفية المحرضة على الفتنة والقتل. ولم ترسل المئات من الوعاظ البلهاء كجلال الصغير وعبد حميد المهاجر وحازم الأعرجي وصدر الدين القبنجي ليضحكوا على الشعب العراقي من خلال ترويج قصص وأخبار تافهة ومفبركة عن معجزات آل البيت(ع) أحياءا كانوا أم أمواتا. آخرها توزيع (الجكليت) على المصلين بدعوى إنه يحل لهم مشاكلهم من دون الله مهما كانت صعبة وشائكة. ولا أعرف لماذا لم يقدم المهاجر جكليته المعجز لحكومة المالكي ومجلس النواب ليحلوا مشاكل العراق طالما الأمر يتعلق بالحلوى؟ رحم الله المتنبي وهو يصفنا
" أغاية الدين أن تحفوا شواربكم *** يا أمة ضحكت من جهلها الأمم".
السعودية لم ترسل أطنان من المخدرات وحبوب الهلوسة لتفك بشباب العراق، بعد أن كان البلد من أنظف دول العالم من هذه الآفة الخطيرة حسب تقارير الأمم المتحدة.
السعودية لم تخون أمانة العراق وتسرق أكثر من مائة طائرة حربية ومدنية، تنكرت لوجودها في البداية من ثم إدعت بأنها تعويضات حرب الخليج التي شنها الخميني المقبور على شعب العراق.
السعودية لم تعبأ المئات من المخازن والمستودعات في كافة أرجاء العراق بالذخيرة والأسلحة الثقيلة وصواريخ غراد والمسدسات كاتمة لتصفية كل من يعارض تدخلها في الشأن العراقي.
السعودية لم ترسل احدا من مشايخها ليكون مرشدا للأحزاب الحاكمة في العراق وأداة بيد الإحتلال يحركها كيفما ووقتما يشاء.
لا يوجد من مشايخ السعودية في العراق ممن شرعن الإحتلال وبارك الدستور الإسرائيلي الصياغة، وأفتى بالمشاركة في الإنتخابات السابقة التي جرت تحت خيمة الإحتلال ويتدخل في واردة وشاردة في الشأن العراقي. ولم يرد إسم أحد المشايخ السعوديين المتعاونين مع قوات الإحتلال في مذكرات بول بريمر ورامسفيلد. ولازالت الحوزة والمرجع يخشيان من التعليق على ماورد في المذكرات نفيا وإثباتا! مما يرجح كفة الإثبات.
وإذا حاججنا البعض بأنه تم إلقاء القبض على إرهابيين سعوديين في العراق؟ سنجيبه هذا صحيح ولكن ما هي نسبتهم مقارنة بالإرهابيين الإيرانيين؟ إعطنا إسم ميليشيا إرهابية سعودية في العراق وسنعطيك أسماء العشرات من الميليشيات الإيرانية؟
وإذا حاججنا البعض بتنظيم القاعدة سنرد عليه: بأنه تنظيم دولي وليس اقليمي أو محلي يمثل دولة معينة فعناصره من مختلف الأمصار والقارات. وقادته في باكستان وإيران وافغانستان وليس في السعودية.
الخلاصة: إن إتهام السعودية بالفوضى في العراق هي مجرد كذبة ودعاية طائفية وكما قال جوزيف غوبلز" الكذبة الكبيرة يمكن أن تحقق هدفها، إذا أطلقت بين جمهور يسهل خداعهم" وما أسهل خداعنا!
الأخطاء العربية وصلت عراق تحتى يد الدولة الصفوية تعربد كما تشاء
ردحذف