الأحد، 15 مايو 2011

الى ولدي في عامه الجديد..

هذه رسالة الى ولدي، كنت كتبتها إليه قبل أكثر من عامين، وما وجدت أثمن منها أعيد إرسالها اليه، هدية وهو يحتفل اليوم بعيد ميلاده...


بسم الله الرحمن الرحيم

 ولدي الحبيب

السلام عليك ورحمة الله وبركاته
أتمنى أن تقرأ رسالتي اليك بتمعن وأن تقف عند كل كلمة فيها، لأن كل كلمة منها مقصودة تماما.
ولأنني لا أدري أنلتقي بعد فراقنا هذا أم لا ؟ فقد آثرت أن اكتب اليك على الورق سطورا أبث اليك فيها نبضات قلبي، وبعضاً من شهقات روحي، أريد أن تبقى معك على الدوام، في حلّك وترحالك، ضعها أمام عينيك أينما سرت، واجعل منها منهاج عمل ومعالم على طريق الحياة.
لن أطيل عليك كثيرا، لأنني أعرف انك لا تحب قراءة الكلام الكثير، لكنها نفثات قلب من أب يريد كل الخير لابنه، الذي يودعه اليوم وهو في طريقه لبدء حياة جديدة، عسى الله ان يجعلها فاتحة خير لك ولكل من يعنيهم أمرك ويعنيك أمرهم.
ربما اعتقدتَ يوما، وأنا أقسو عليك وأشتدَّ في التعنيف او في طلب الواجبات، انني أكرهك، او لنقل احبك بأقل مما يحب الاخرون ابناءهم! وأؤكد الان لك انني ما قسوت عليك الا لأنني احبك وما طالبتك بما طالبت، الا لأنني أريد لعودك أن يشتدَّ وان تكون محل تقدير الاخرين وثقتهم، ومحل تميز وتفرد بين الناس، وما كنت أريد لك ان تمضي في الحياة بلا ضوابط، أما ترى الى الغصن إذا ما ترك ينمو كما يشاء مال وربما انكسر، وانا لا أريد لك أن تميل او تنكسر، فأنت من أنت عندي، وستكشف لك الايام ايها الولد الحبيب، انني كنت لك نعم الوالد، رغم انك أزعجتني كثيرا وآلمتني أكثر، وقد اختلفنا كثيرا وكثيرا، ولكنني أبوك ولن أكون الا كذلك.
كنتُ لك غطاء اذا شعرتَ بالبرد، وستراً اذا احتجت للستر، وكنت وسأبقى خير سند لك وخير معين-بعد الله عزوجل- ولطالما اقتطعت اللقمة من فمي لأضعها في فمك، وأعاف ما أرغب لأحقق لك ما تريد، وأنا لك-على المدى- خير ناصح، وستكتشف في قابلات الايام صدق هذا الحديث، وليس أصدق من هذه اللحظات التي أبثّك فيها مشاعري وأوصيك بها ما ينفعك في دنياك وآخرتك.
بدءاً لا أجد أثمن من وصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة).
لقد أوصاني أبي-رحمه الله تعالى- ذات يوم، فقال لي (اعلم ان الصدق أمانة والكذب خيانة، واعلم ان الدنيا مزرعة الاخرة، فانظر ماذا تزرع فيها؟) وأوصاني احد اساتذتي بقوله (كن مع الله ولا تبالي) وانا أوصيك بذلك كله.
وأوصيك بما أوصى به لقمان الحكيم ابنه (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)).
انها يا ولدي وصايا ثمينة ما وجدت خيراً منها، أنقلها اليك لعلك تتذكر او تخشى.
وأوصيك بالصلاة، فهي عماد الدين، وهي آخر ما وصّى به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح عمله كله، وإن فسدت فسد عمله كله، وأنا لا أريد لك ان تكون يوم القيامة من الاخسرين أعمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا. فتدارك منها ما بقي من عمرك، وعوِّض ما فاتك، ولا تتلكأ.
أتمنى أن تعود الينا وأنت بحال أفضل، بكل المقاييس، فلا تفرط في ساعة باقتراف لهو يضرك، واجعل رحلتك جسراً لما هو أفضل، لك ولمن يحبك وينتظرك، وأنا هنا لا أدعوك الى الانغلاق، ولكنني أدعوك لاستثمار الوقت بما ينفع، فإن الله سائلك يوم الحشر عن عمرك فيم أفنيت، وعن شبابك فيم أبليت، وعن مالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته؟ فإياك وسفاسف الأمور، فإن الذي يمضي انما هو عمرك، فاستثمره بما ينفعك في دنياك وآخرتك.
واياك والمال الحرام، فإن الدرهم الحرام يجعل كل المال حراما، ومَن أكل الحرام لم تُجَبْ له دعوة.
واعلم يا ولدي ان الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، وان الله عزوجل حرَّمه على نفسه وجعله علينا محرَّما، فإياك أن تسوِّل لك نفسك ظلم أحد في الدنيا، فإنه يقتصُّ منك يوم القيامة، وأنّى لك أن تفيه حقه يومذاك، واياك ان تسيء الى أحد، أو تجرح أحداً بقول، فإن جرح اللسان لا يندمل.
ولا تكثر من الهزل والمزاح، فإن ذلك يُميتُ القلب ويُذهب الهيبة بين الناس، وكن في كل أمورك معتدلاً وسطاً، بلا إفراط أو تفريط.
واعلم يا ولدي ان الله تعالى حباك بخيرات عظيمة ونعم وفيرة، منها نعم الاسلام والصحة والعقل، فحافظ عليها كلها، وتذكر إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ، فتهيأ لهذا الموقف، يوم العرض على الله، يوم لا تخفى على الله خافية.
وأجد نفسي أذكّرك وأنت ترحل بعيدا عني، ان امتك تنتظرك وشعبك ينتظرك، ولا تقولنَّ انني فرد واحد، فما الامة الا مجموع افرادها، وأرجو أن تعود إلينا بما يقرُّ العيون ويفرحُ القلوب ويسعدُ الارواح.
وتذكر على الدوام أن أملي فيك كبير فلا تخيّب أملي فيك، ولا تفجعني فتحبط رجائي بك، فإني انتظر منك الكثير، وأنا أثق انك على الخير قادر.
لك حبي ودعائي الذي لا ينقطع، ودمت محروساً بعين الله الذي لا ينام.

والدك المحب

هناك تعليقان (2):

  1. و من احسن من الله قيلا و ما اثمن النصيحه عندما تكون قلبها مستوحى من ايات القران و احاديث نبينا الاكرم....جعله الله من الذريه الطيبه مقيما للصلاه و بارا بابويه ان شاء الله..و ما احلى هكذا هديه في عيد الميلاد

    ردحذف
  2. عمر المنصوري ... حفظ الله ولدكم عبد الله وحرسه وابناء المسلمين من كل سوء ... امين

    ردحذف